
كثيرٌ منْ أصحابِ المهنِ المرموقةِ إجتماعياً مثل الأطباءِ والمحاميينِ والصحفيينَ والمهندسينَ والمعلمينَ وأستاذةِ الجامعاتِ اضطرتهمْ الحربُ وظروفها الاقتصاديةُ للعملِ في الأسواقِ كباعة فريشينْ أوْ جائلينَ لكسبِ قوتِ يومهمْ بعدَ انسدادِ آفاقِ الحلولِ وإحلالِ السلامِ الذي يمكنهمْ منْ خدمةِ المجتمعِ في المستشفياتِ والمدارسِ وغيرها . تجربةٌ المهنيينَ الذينَ دخلوا السوقُ في بدايتها كانتْ مزيجَ منْ الخوفِ والسعادةِ حيثُ إنَ السعادةَ كانتْ تكمنُ في إيجادِ مصدرِ رزقٍ يوفرُ الحدُ الأدنى لحمايةِ الأسرةِ منْ التشردِ والتفككِ أما الخوفُ فكانَ بسببِ الوصماتِ الاجتماعيةِ التي ستلاحقُ المهنيينَ الذينَ التحقوا بمهنِ هامشيةٍ كانتْ قبلَ الحربِ حصرا على المشرينْ لكنَ الذينَ تعايشوا معَ تجربةِ السوقِ قدْ لا يعودونَ مرةٌ أخرى للعملِ الوظيفيِ لأنهمْ سيصبحوا رجالُ أعمالٍ إذْ إنَ كثير منْ التجارِ التقليديينَ باتوا يعتمدونَ عليهمْ في تطويرِ النظمِ التجاريةِ ولكنَ خطورةَ الأمرِ تكمنُ في أنَ المؤسساتِ السودانيةَ ستفقدُ خبرتها التراكميةَ التي جناها المهنيونَ منْ التدريبِ الطويلِ والتجاربِ العمليةِ ولذلكَ متى ما توقفتْ الحربُ فإنَ الدولةَ ربما لاتجدْ منْ الكفاءاتِ المهنيةِ التي تثبتُ أركانَ الخدماتِ الضروريةِ التي هجرتها الكفاءاتُ إلى الأسواقِ . العملُ في الأسواقِ يمنحُ الشخصُ حياةً جديدةً في العلاقاتِ والتعاملِ اليوميِ المفتوحِ كماانْ الأشخاصُ العاملينَ في الأسواقِ لديهمْ حريةُ الاختيارِ في مجالِ البيعِ والشراءِ مما يعطيهمْ فرصةً للانعتاقِ منْ عبوديةِ المرتباتِ التي في الغالبِ تكونُ خصما على حريةِ الشخصِ وتوجهاتهِ كما أنَ السوقَ يزيلُ هاجسَ التسلسلِ الهرميِ الإداريِ الذي تفرضهُ مؤسساتٌ القطاعينِ الخاصِ والعامِ على العاملينَ لأنَ الأسواقَ كلُ العملِ فيها يناقشُ في الهواءِ الطلقِ دونَ سقوطٍ أوْ خطوطٍ حمراءَ . أصحابُ المهنِ والخبراتِ العاليةِ الذينَ دخلوا الأسواقُ وجدوا تعاطفا كبيرا منْ التجارِ وأصحابِ المحلاتِ التجاريةِ لأنهمْ ينظرونَ إليهمْ كمنكوبينَ وضحاها مباشرينَ للحربِ التي حرمتهمْ منْ حقِ العيشِ الكريمِ لذلكَ التجارِ عندما يعلمونَ أنَ أحدَ الفريشة منْ طبقةِ الموظفينَ يقدمونَ لهُ تسهيلاتٌ كبيرةٌ حتى لا يشعرُ بالإحساسِ بصعوبةِ العملَ في السوقِ فمثلاً يقدموا أصنافٌ متنوعةٌ منْ البضائعِ للموظفينَ الذينَ امتهنوا وظيفةُ بائعٍ جائلٍ لعرضها في موقعٍ واحدٍ حتى يحصلَ على أكبرِ عائدٍ ماديٍ معقولٍ خلالَ اليومِ فالخدمةُ التي يقدمها التجارُ للموظفينَ الذينَ دخلوا السوقُ تقعُ في نطاقِ المسؤوليةِ الاجتماعيةِ التي عجزتْ مؤسساتِ الدولةِ أنْ تقومَ بها منذُ الاستقلالِ .